يوسف عليه السلام: من بئر الظلم إلى عرش الحكمة والإيمان يوسف عليه السلام: من بئر ...

يوسف عليه السلام: من بئر الظلم إلى عرش الحكمة والإيمان

يوسف عليه السلام: من بئر الظلم إلى عرش الحكمة والإيمان

يوسف عليه السلام هو أحد أنبياء الله الذين ذكروا في القرآن الكريم، وقصته تعتبر واحدة من أجمل وأشهر القصص القرآنية التي تحمل العديد من الدروس والعبر. تتناول القصة مراحل مختلفة من حياة يوسف عليه السلام، بدءًا من طفولته وحسده من قبل إخوته، مرورا بتجاربه في السجن، وصولًا إلى توليه منصبًا رفيعًا في مصر. في هذه المقالة، سنستعرض بالتفصيل رحلة يوسف عليه السلام من السجن إلى العرش.

طفولة يوسف عليه السلام

يوسف عليه السلام هو ابن يعقوب عليه السلام، وكان يحظى بحب خاص من والده مما أثار غيرة وحسد إخوته. يحكي القرآن الكريم في سورة يوسف عن حلم رآه يوسف في صغره وأخبر به والده:

"إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" (يوسف: 4).

مؤامرة الإخوة

بسبب غيرة الإخوة، قرروا التخلص من يوسف وألقوه في بئر، ثم كذبوا على والدهم قائلين أن ذئبًا قد أكله. تم العثور على يوسف من قبل قافلة مارة وباعوه كعبد في مصر. يقول الله تعالى في سورة يوسف:

"فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" (يوسف: 15).

حياة يوسف في مصر

تم بيع يوسف عليه السلام كعبد في مصر واشتراه عزيز مصر. هناك، بدأ يوسف حياة جديدة، ولكنه واجه تحديات جديدة عندما حاولت امرأة العزيز إغواءه، ورفض يوسف بإباء، مما أدى إلى سجنه ظلمًا. يقول الله تعالى:

"وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" (يوسف: 23).

فترة السجن

في السجن، التقى يوسف عليه السلام بسجينين، وقام بتفسير أحلامهما بدقة، مما زاد من شهرته كعالم بتفسير الأحلام. كان أحد السجينين خادمًا للملك، وبعد خروجه من السجن وتحقق تفسير يوسف لحلمه، تذكر يوسف عندما رأى الملك حلمًا معقدًا لم يستطع أحد تفسيره. جاء في القرآن الكريم:

"وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف: 36).

تفسير حلم الملك

عندما رأى الملك حلمًا عن سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، طلب من خادمه الذي خرج من السجن البحث عن من يستطيع تفسير الحلم. استدعي يوسف من السجن وفسر الحلم بمهارة، مقترحًا خطة لإنقاذ مصر من المجاعة التي ستدوم سبع سنوات بعد سبع سنوات من الخير. يقول الله تعالى:


"قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّم فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ" (يوسف: 47-48).

من السجن إلى العرش

أعجب الملك بحكمة يوسف عليه السلام، وقرَّر تعيينه وزيرًا للمالية في مصر، مما مكنه من تنفيذ خطته لإنقاذ البلاد من المجاعة. أصبح يوسف شخصية مهمة ومحترمة في مصر. يقول الله تعالى:

"وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف: 56).

لقاء يوسف بإخوته

خلال سنوات المجاعة، جاء إخوة يوسف إلى مصر لشراء الطعام، دون أن يدركوا أن الوزير الذي يتعاملون معه هو أخوهم الذي ألقوه في البئر. تعامل يوسف معهم بحكمة وعمل على اختبارهم للتأكد من توبتهم وندمهم على ما فعلوه به. في النهاية، كشف لهم عن هويته، وقال:

"قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف: 90).

الدروس والعبر من قصة يوسف عليه السلام

قصة يوسف عليه السلام مليئة بالدروس والعبر التي يمكن أن نستفيد منها في حياتنا اليومية:

الصبر والتحمل: تعلمنا قصة يوسف أهمية الصبر والتحمل في مواجهة الصعاب والمحن.

الإيمان والثقة بالله: كان يوسف عليه السلام مثالاً في الإيمان والثقة بالله رغم كل التحديات التي واجهها.

العفو والتسامح: عفا يوسف عن إخوته رغم ما فعلوه به، مما يعكس قوة العفو والتسامح.

الحكمة والإدارة: يظهر يوسف كرجل حكيم ومدير ناجح، قادر على التعامل مع الأزمات وإيجاد الحلول الفعالة.

التخطيط للمستقبل: تعكس خطة يوسف للتعامل مع سنوات المجاعة أهمية التخطيط والتحضير للمستقبل.

تظل قصة يوسف عليه السلام من أجمل القصص القرآنية التي تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر. من خلال صبره وإيمانه وثقته بالله، استطاع يوسف أن يتجاوز كل المحن ويصل إلى مكانة رفيعة. تُعدُّ رحلته من السجن إلى العرش مثالاً يُحتذى به لكل من يسعى للنجاح في حياته رغم الصعاب. علينا أن نستفيد من هذه القصة في حياتنا اليومية ونتعلم منها قيم الصبر والإيمان والتخطيط والتسامح.