من هو الفلسطيني؟ رحلة البحث عن الهوية في السينما من هو الفلسطيني؟ رحلة الب...

من هو الفلسطيني؟ رحلة البحث عن الهوية في السينما

من هو الفلسطيني؟ رحلة البحث عن الهوية في السينما

من هو الفلسطيني؟ كيف تتشكل هويته وتُرسم ملامحها عبر السينما؟ وهل يمكن أن تُختزل ذاكرته في إطار فيلم؟ هذه أسئلة تثيرها السينما الفلسطينية في كل مشهد وفي كل حكاية تُروى. الفلسطيني، في كل مكان وزمان، يعيش صراعًا دائمًا للحفاظ على هويته، في مواجهة محاولات الطمس والتهويد التي لم تتوقف منذ عقود.

وإذا رجعنا للبداية، نلقى أن تاريخ السينما الفلسطينية ما قبل النكبة كان شبه مجهول. ورغم ذلك، شهدت فلسطين محاولات خجولة لتوثيق الحياة اليومية في أوائل القرن العشرين، حيث كان الهدف الأساسي هو توثيق مشاهد طبيعية وأحداث بسيطة. لكن النكبة عام 1948 قلبت كل الموازين، فبدأت السينما تأخذ منحى جديدًا لتعكس المأساة.

المرحلة الذهبية للسينما الفلسطينية جاءت مع الثورة الفلسطينية في الستينيات والسبعينيات. الأفلام وقتها ما كانت مجرد أداة ترفيه، بل كانت بمثابة بندقية في يد المناضلين. منظمة التحرير الفلسطينية دعمت إنتاج حوالي 70 فيلمًا ثوريًا بين عامي 1968 و1979، مثل "لا للحل السلمي" و"فلسطين في العين" للمخرج مصطفى أبو علي. الأفلام كانت تعرض في أماكن سرية، وتُعتبر وسيلة لنقل الصوت الفلسطيني للعالم.

لكن مع مرور الزمن، بدأت هذه الأفلام تتلاشى بسبب غياب الأرشيف، إلا أن بعض المخرجين مثل مهند اليعقوبي حاولوا إحياءها من جديد عبر أفلام مثل "خارج الإطار"، اللي يعرض لقطات أرشيفية نادرة تُعيد إحياء ذاك الزمن الثوري.

السينما الفلسطينية ما وقفت عند حدود الثورة فقط، بل تطورت لتعكس التحولات الاجتماعية والسياسية. في فيلم "إلى أبي" للمخرج عبد السلام شحادة، شفنا كيف تغيّرت نفسية الفلسطيني عبر عقود. من خلال استوديو "الحاج سلامة"، تظهر صور الأبيض والأسود كأنها شاهدة على زمن النكبة وما بعدها. الصور اللي كانت رمزًا للفرح تحولت إلى مصدر خوف بعد أن بدأ الاحتلال يستخدمها لأغراض أمنية.


أما فيلم "ميناء في الذاكرة" لكمال الجعفري، فسلط الضوء على فلسطينيي الداخل في يافا، اللي يواجهون تهويد مدينتهم بشكل يومي. الفيلم يظهر بؤس الفلسطيني وتعلقه بماضيه، وكيف أن الحياة اليومية أصبحت مجرد روتين قاتل تحت ظل الاستعمار.

وفي جانب آخر من السينما، نلقى فيلم "اصطياد الأشباح" لرائد أنضوني، اللي يعيد بناء تجربة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. الفيلم مو مجرد توثيق، بل هو رحلة نفسية تعيد ترتيب ذكريات الأسرى المبعثرة، كأنهم يحاولون التحرر من الصدمة اللي عاشوها.

ولا ننسى فيلم "عمواس" لديمة أبو غوش، اللي يجسد ذاكرة قرية فلسطينية مهجّرة من خلال بناء مجسم يحاكي تفاصيلها. أهل القرية، رغم معرفتهم بأن العودة شبه مستحيلة، إلا أنهم يتمسكون بالذاكرة كسلاح لمواجهة الاحتلال.

من الثائر إلى المفاوض، من الأسير إلى اللاجئ، ومن الحالم إلى المكتئب، السينما الفلسطينية قدمت لنا صورة شاملة عن الإنسان الفلسطيني. لكنها في كل مراحلها تتفق على نقطة واحدة: الماضي جزء لا يتجزأ من الهوية. الذاكرة والحنين للأرض هما الأساس، مهما حاول الاحتلال تغييب الحقيقة أو تشويهها.


وفي النهاية، السينما الفلسطينية ما هي إلا مرآة تعكس وجع الإنسان الفلسطيني وصموده في وجه كل محاولات التصفية. هي صوت الماضي والحاضر والمستقبل، اللي يذكرنا دومًا بأن القضية الفلسطينية هي قضية وجود، وأن الإنسان الفلسطيني، رغم كل التحديات، لا يزال متمسكًا بأرضه وهويته.